أ.سهام نجم 

مؤسس الجائزة العربية للمتحررات من الأمية
رئيس جمعية المرأة و المجتمع
يمثل المجتمع المدني، بمؤسساته ومنظماته غير الحكومية، قطاعا هاما وحيويا داخل المجتمع حيث إنه يشغل الفضاء والمساحة المفتوحة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وتلك المؤسسات هي الأكثر إنتشاراً على المستوى الجغرافى وخاصة داخل المجتمعات المحلية الاكثر احتياجا وتهميشاً، اقتصاديا واجتماعيا وبيئياً
ومع التطور التاريخى الذى شهدته المنظمات والمؤسسات غير الحكومية، بداية من إنشاء مؤسسات تقديم الخدمات الرعائية والخيرية، مروراً بتنفيذ مشروعات تنموية تستهدف الاستمرارية بمنهجية التنمية الشاملة والمستدامة، وانتهاءً بانتشار منظمات حقوقية تعمل بمجال السياسات والدفاع والمناصرة للقضايا الحقوقية، فقد اكتسبت المنظمات الأهلية ثقة وقدرة هائلة على الالتحام بالواقع والتعامل مع معطياته. كما أنها استطاعت دمج أصحاب المصلحة من المستهدفين والمستفيدين من برامج التنمية ليشكلوا قوى مساندة وداعمة لتحقيق أفضل نتائج لتطوير أوضاعهم وتحسين أحوالهم. وهنا تصبح الشراكة مع المنظمات والمؤسسات غير الحكومية ميزة وفرصة جيدة لتحقيق أهداف تربوية وتنموية لتحقيق التنمية المستدامة.
ويمتاز المجتمع المدني، وفي القلب منه المنظمات والمؤسسات غير الحكومية، بخصائص متنوعة منها توفير متطوعين أو متخصصين تنمويين، والعمل وفق رؤية تنموية تحقق التنمية المستدامة طويلة الاجل. ومن ثم تكتسب تلك المنظمات مصداقيتها من خلال ولوجها وانتشارها في المجتمعات المحلية والقواعد الشعبية. وكذلك مواجهتها للتحديات التنموية وأهمها التعليم وبناء الوعي. كذلك تمد تلك المنظمات جسور الثقة مع المجتمعات المحلية بتحديد الاحتياجات وفق أولويات الفئات المستهدفة والمستفيدة بالبرامج التنموية، وتعمل على تحقيق التكامل مع شركاء من مؤسسات وأفراد من تلك المجتمعات او خارجها يوفرون لها موارد وامكانيات متخصصة. وتمتاز تلك المؤسسات بالقدرة على سرعة إتخاذ القرار وتحقيق المرونة وفق معطيات الواقع، ودمج وإشراك الفئات المستفيدة والمستهدفة فى العمليات التربوية والتنموية لتحقيق العمل المشترك لتحقيق الأهداف الحيوية التي تنعكس على تطوير وتنمية الأوضاع الاقتصادية لتلك المجتمعات.
وتمثل الشراكة المجتمعية الركيزة الأساسية للمشاركة الإيجابية والفعالة للمواطنين، والتى تنعكس بشكل مباشر على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي تعتبر إحدى كفتى ميزان منظومة العقد الاجتماعي، ووسيلة من وسائل ترسيخ قيم المواطنة والانتماء. بينما تمثل المشاركة الفعالة رمانة الميزان، فكلما كانت تلك المنظومة فاعلة وناجزة ومثمرة كانت ضمانه للاستقرار المجتمعى وتماسكة وأمنه، وتأخذ بالإتجاه الصحيح نحوالتطوير والتنمية المستدامة من خلال المدخل الرئيسى وهو التعليم والتعلم والتدريب على المهارات التقنية والاجتماعية والمهنية.
  ومن خلال الرصد للزخم الكبير لجائحة كوفيد 19 عبر شبكات التواصل الرقمية من تفاعل وافكار ومبادرات تعليمية، نلمح التأكيد على أهمية دور المجتمع المدني الذي طرح أفكارا ومبادرات للتواصل الانساني عبر الشبكة العنكبوتية، كما أظهر بجلاء أهمية تعزيز وتنويع برامج تعليم الكبار. لقد أجبرت سياسة التباعد الاجتماعي الكبار ودفعتهم إلى استجلاء مساحة جديدة للتواصل الانساني والمعرفي والمهاري، واكتشاف طرائق وآليات جديدة للتعلم والمشاركة في تشكيل الجديد، والتحول نحو تعليم وتعلم الكبار مدى الحياة وحسم الجدل المستمر حول والافضلية بين التعليم النظامي وغير النظامي.
كما جاءت هذه الجائحة لتؤكد على اهمية أدوار المبادرات والابداعات لدى الافراد و المؤسسات، وعلى اهمية مواكبة التطور التكنولوجي والتقني من أجل تغيير أنماط التعليم والتعلم واستراتيجياته. وأكدت على تشجيع الكفاءات التي تحتاج اليها المجتمعات، وترسيخ الاقتصاديات ذات النهج الإنساني، وتهيئة بيئات للتعلم وطرائق جديدة لتحقيق التمكين الاجتماعي والاقتصادي للإنسان.  ومن هنا تأتي أهمية دور تعليم الكبار في احداث تراكم في رأس المال الاجتماعي والثقافي، من خلال تعزيز قدرته على تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة الذي يرمي إلى ضمان تعليم جيد منصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع. كما يعزز دوره أيضا في تنمية البعدين التربوي والتنموي، وتوسيع دائرة تأثيره لتحقيق اهداف التنمية المستدامة مثل القضاء على الفقر، ورفع مستوى الوعي الصحي، والمساواة بين الجنسين، وتوفير فرص العمل اللائق، ونشر ثقافة الاستهلاك المسئول، والوعي بقضايا التغير المناخي ودعم السلام والعدل.
 وفي ضوء ما تقدم، يمكننا القول بان التحولات الاجتماعية والثقافية فى الفضاء العالمى والاقليمى والوطنى  تعتمد على اتساع حركة القوى الاجتماعية داخل الحراك التربوى وفي القلب منها الاجتماعيين والمهنيين والتربويين. كما تعتمد أيضا على الهياكل والتنظيمات  داخل المؤسسة التعليمية ذاتها مثل الاتحادات الطلابية ومجالس الامناء والأباء والمعلمين. كذلك  الحراك التربوى للهياكل المؤسسية خارج المؤسسة التعليمية منها مؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى الفاعلة والبرلمانات وأصحاب المصلحة من نقابات للمعلمين وغيرها ،بحيث تم تطوير المفهوم داخل النسق التعليمى بإنخراط الافراد والمنظمات فى مهام تستهدف تطوير وتحسين جودة نوعية الخدمات التربوية للجميع وإنماء المشاريع والبرامج التي تفتح قنوات متعددة ومتنوعة للتعليم والتعلم والتدريب مدى الحياة.
وفي إطار سيناريوهات ما بعد الجائحة، هناك اهمية كبرى لاطلاق منصة معنية بوضع الاطار العام الحاكم والاستراتيجي للتحالف من أجل شراكة تربوية وتنموية  يعني بتعبئة الموارد وإعادة هيكلتها، والاستثمار الأمثل للمزايا النسبية لكل قطاع من الشركاء، وتعزيز وتعظيم القدرات والامكانيات البشرية والمادية بهدف تحقيق الاهداف والنتائج وفق الرؤية والخطة الاستراتيجية التى يتوافق عليها المجتمع .
ومن هنا يتم بناء هذا التحالف في ضوء الشروط والمعايير الأساسية التالية:
• تهيئة بيئة تشريعية وسياسية جيدة لبناء جسور الثقة بين قطاعات الشراكة التربوية والتنموية (القطاعات الحكومية – قطاع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى – القطاع الخاص)
• الاحترام المتبادل لتنوع الاراء والتوافق على المنفعة والمصالح العامة للمجتمع مع عدم الاستبعاد أو الاقصاء أو التهميش لاى قطاع أو فئة.
• إتاحة المعلومات والبيانات لكافة الشركاء لتحقيق الأهداف المشتركة .
• توزيع الأدوار والمسئوليات فى ضوء المزايا النسبية لكل شريك.
• تعظيم المساءلة والمحاسبة والشفافية والحكم الجيد والرشيد بين الشركاء.
• المساواة بين الشركاء من حيث الحقوق والواجبات دون هيمنة أو سيطرة من طرف.