أ.وليد سعد
مدير عام جمعية المرأة و المجتمع

اليوم تمر سنة من عمر الأمة على فقداننا واحدة من نساء الجزائر المناضلات. ;و يمر عقدين من الزمن على مشروع ولد و ترعرع بجرائرنا الحبيبة برعاية حثيثة من الفقيدة عائشة باركي، مشروع أسمته الجمعية الجزائرية لمحو الأمية -اقرأ- برنامج عفيف، خاص بمحو أمية المرأة وإدماجها في المجتمع، رأت فيه السيدة باركي نموذجا فعالا في محاربة أمية المرأة وتذليل  صعاب إدماجها في وسطها الاجتماعي الواسع.

ان البرنامج الذي حظي بجائزة اليونسكو – كونفوشيوس لسنة 2014لم يكن أمنيات ولا مرافق ومقرات ولا برامج وتكوين بل تعدى الى طلب الاعتراف بشهادات المتعلمين التي تؤهلهم للاستفادة من برامج التكوين المهني وتحصيل مناصب الشغل في المستقبل. ان نظرة هذه السيدة المناضلة على قدر طموحها كانت واقعية وفعالة بضمها لقطاعات مختلفة في الدولة اجتماعية كانت واقتصادية وثقافية وصحية. لقد تمتعت فكرتها بالحيوية والنشاط كما تمتعت بالحنكة الاستراتيجيةوالدقة في التخطيط والتنفيذ.لم تكن كل الصورة وردية، لكن المصاعب والمتاعب كانت جزءا من مسيرة التدافع الإيجابي نحو بناء مجتمع متكامل يأخذ الجميع بيد الجميع سعيا لتحقيق أمة اقرأ، أمة بعلمها لا تعرى ولا تجوعولا تستسلم، أمة تكافح من أجل البقاء ومن أجل العطاء.

يكفي البرنامج أن يمثل الأنموذج المتفرد في غرس بذور المرأة الفاعلة في المجتمع الباحث عن أسباب النجاح. لقد غادرتنا الفقيدة وهي تضع بين أيدينا مشروعها الاجتماعي بخبراته وإنجازاته ليمثل للمبادرة العربية للتمكين الاجتماعيوالاقتصادي للمتحررات من الأمية وللمرأة العربية نافذة من نوافذ الأمل التي تتفتح كل يوم في عالمنا العربي.وها هى مجتمعاتنا في كل فرصة تثبت أنها تملك كثيرا من الحب والتقدير للمرأة، وان اختلفت القراءات لكن اليوم هذا التقدير يبدو أكثر جلاء وسطوعا. لا يهم كثيرا من ربح المعركة، فالمهم في النهاية أن الأسرة والمجتمع هما من فازابالرهان واستفادا من حضور المرأة الى جنب الرجل من أجل مجتمع أفضل.

ان تأثر المجتمعات لا سيما الغربية منها بجائحة كوفيد 19 على مختلف المستويات بما فيها تعليم الكبار والتعلم مدى الحياة هو واحد من المقتضيات التي تدفع الى التفكير في دعم وتطوير برامج التعليم كالتي اقترحتها الفقيدة السيدة باركي. فاليوم مثل هذه المراكز التعليمية والتكوينية التي يمكن أن تكتسي طابعا تخصصيا يمكنها أن تلعب الدور الرئيس في اعلام وتوجيه فئات كبيرة من النساء العاملات وربات البيوت.
ان من أهم ما ستخلفه الجائحة على مستوىالمجتمعات هو الدفع بالنخب الى التفكير في آليات جديدة لتقوية أواصر أفراد المجتمع والتفكير في بناء مجتمعات على أساس من الوضوح في الرؤية الثقافية والفكرية والمضي بكفاءاتوأهداف متعددة نحو غاية واحدة غاية عنوانها خدمة المجتمع وتقوية الأمة. ان هكذا بناء مجتمعي كفيل بمجابهة كل أشكال الفرقة التي فرضتها الجائحة اليوم وقد تفرضها مستقبلا أزمات يمكن أن يكون مداها أبعد وتأثيرها أعمق.

لقد أثبت ما يسمى بالمجتمع المحافظ بدولنا الشرقية أنه الأقدر على انتاج نموذج اجتماعي هو الأكثر تماسكا من غيره لما يملكه من مقومات حضارية وارث ضارب في أعماق التاريخ ومتجذر في أعماق الأفراد ووجدانها.ان المستقبل اليوم بأيدينا، هذا ما تؤكده كل يوم نساؤنا المتحررات من براثن الأمية والجهل، تلك الأمية التي أورثتها سنون استدمار أتى على العقول قبل الأقاليم وذلك الجهل الذي خلفته حضارةمتهالكة لم تعرف للمرأة قدرها كما عرفته الشرائع السماوية التي ما فتئت تنبؤنا عن أيام سيداتنا مريم وآسيا وعائشة وخديجة وفاطمة والخنساء والقائمة طويلة. ان المرأة التي تسمت باسم الشهيدات والمجاهدات لهي اليوم أقدر بأن تتسمى وتتسامى بأم الأمس وأخت اليوموبنت الغد.لا تزال نضالات السيدة باركي تلهم أبناء جمعية اقرأ وكل العاملات في حقل محو الأمية وهي تلهم كل محب للوطن وللأمة، فاللهم تقبل منها صالح أعمالها وتجاوز عنهاوادخلها في رحمتك.
و تقديرا لنضالها و عرفانا بمسيرتها الحافلة بالانجازات أسد رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد المجيد تبون وسام استحقاق من درجة *عشير* للمغفور لها بإذن الله السيد عائشة باركي و تشؤيفا للجمعية الجزائرية لمحو الأمية * اقرأ * هذه الجمعية الرائدة في المجتمع المدني.