د/ عاشور أحمد عمري
  رئيس الهيئة العامة لتعليم الكبار
تعد أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد Covid-19، ليست مجرد أزمة صحية عالمية، بل هي أزمة إنسانية بكل المقاييس، لما أفرزته من مشكلات وتحديات: “اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وتعليمية، وثقافية”، بالإضافة إلى تأثيرها العميق والسلبي على تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030؛ حيث ستذهب نسبة كبيرة من موارد العالم لمواجهة آثار تلك الجائحة، وستبقى نسبة أقل فيما بعد لتنفيذ خطط التنمية في العالم.
تأثيرات فيروس كورونا المستجد على أهداف التنمية المستدامة
      جاءت جائحة كورونا لتعصف بأهداف التنمية المستدامة عالميًا، وتؤثر سلبًا على تنفيذ معظم هذه الأهداف بطريقة مباشرة، وبعضها الآخر بطريقة غير مباشرة:
1. بالنسبة للهدف (1) الخاص بالقضاء على الفقر: تؤثر جائحة كورونا على هذا الهدف مباشرةً، حيث يمكن أن يؤدي فقدان الدخل لدى نسبة كبيرة من الناس إلى الوقوع تحت خط الفقر، وعدم استطاعتهم الحصول على قوت يومهم، وهذا ما جعل الحكومات توفر لهم بعض الإعانات المادية.
2. بالنسبة للهدف (2) الخاص بالقضاء على الجوع: لقد أدت التدابير اللازمة لاحتواء أزمة انتشار فيروس كورونا – من خلال فرض الحجر الصحي وتقليل ساعات العمل وغلق المدن – إلى تعطيل إنتاج الغذاء وتوزيعه بشكل كافٍ، مما أدى إلى زيادة أسعاره بشكل كبير، مع صعوبة توفره في الكثير من المناطق.
3. بالنسبة للهدف (3) الخاص بالصحة الجيدة والرفاه: أظهر فيروس كورونا العديد من السلبيات على المجال الصحي على مستوى العالم، والتي من أهمها: الضغط الشديد على النظم الصحية والرعاية الصحية، في ظل عدم وجود أعداد كافية من المستشفيات، وقلة وفرة المستلزمات الطبية والأجهزة، وبخاصة أجهزة التنفس الصناعي، وقلة أعداد الأطباء ومقدمي الخدمة الطبية، كما أظهرت الأزمة عدم وجود خطط مسبقة لمواجهة الكوارث الطارئة، مما أثر على ارتفاع أعداد الوفيات، والمصابين على مستوى العالم.
4. بالنسبة للهدف (4) الخاص بالتعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع: يأتي الهدف الرابع من أكثر أهداف التنمية المستدامة تأثرًا بجائحة كورونا، وذلك بسبب غلق معظم المدارس والمؤسسات التعليمية، ووجود ما يقرب من (مليار شخص) خارج المؤسسات التعليمية، كما أظهرت الأزمة عدم جاهزية غالبية الدول لنظام التعليم عن بعد، خاصة في الدول النامية التي لا تتاح فيها هذه الخدمة لغالبية الدارسين، وبالتالي التأثير بالسلب على برامج تعليم وتعلم الكبار المتاحة قبل الأزمة.
5. بالنسبة للهدف (5) الخاص بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة:  لقد أثر فيروس كورونا على هذا الهدف بطريقة غير مباشرة، حيث إن الأزمة أدت إلى توسيع الفجوة بين الطبقات، خاصة بالنسبة للأسر الفقيرة والأشد فقرًا، والتي ليس لديها إمكانيات متاحة لمواكبة التعايش مع أزمة كورونا، بالإضافة إلى أن غالبية معيلي هذه الأسر من العمالة غير المستديمة، التي تأثرت أكثر بعد جائحة كورونا وفقدوا وظائفهم، كما تتحمل النساء عبء الرعاية غير مدفوعة الأجر، ويشكلن غالبية العاملين في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية أثناء تفشي المرض.
6. بالنسبة للهدف (8) الخاص بتوفير العمل اللائق والنمو الاقتصادي: تأثر هذا الهدف بشكل كبير بجائحة كورونا، نتيجة انخفاض النشاط الاقتصادي، مما أدى إلى تعطل كثير من القوى العاملة عن العمل في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في القطاعات الأكثر تضررًا التي تضم نسبة عالية من العمالة ذات الأجور المتدنية، والعمالة غير المنتظمة، مما أدى بهم إلى خطر الوقوع تحت خط الفقر، ومواجهة تحديات أكبر في العودة لأشغالهم بعد فترة التعافي.
7. بالنسبة للأهداف (9، 10، 11، 12) الخاصة بالمدن والمجتمعات المستدامة: يواجه السكان الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة خطرًا أكبر للتعرض لفيروس كورونا؛ بسبب الكثافة السكانية العالية، وسوء ظروف الصرف الصحي، وصعوبة توافر مياه نظيفة.
8. بالنسبة للهدف (16) الخاص بالسلام والعدل والمجتمعات الآمنة: أثرت جائحة كورونا على هذا الهدف بشكل مباشر، حيث إن أكثر المناطق في العالم تأثرًا بجائحة كورونا هي مناطق النزاع، لما يعانيه شعوب هذه المناطق من ضعف الإمكانيات في جميع المجالات الطبية، والاجتماعية، والاقتصادية من قبل ظهور هذا الفيروس، وبعد ظهور هذه الجائحة، تعاني هذه المناطق من عدم وجود وسائل الحماية من الفيروس والعلاجات المتاحة له أو المستشفيات التي يتلقى فيها المرضى العلاج.
9. بالنسبة للهدف (17) الخاص بالشراكات لتحقيق الأهداف: أثرت جائحة كورونا بالسلب على هذا الهدف الخاص بالشراكات، لما أحدثته الجائحة من رد فعل قوي ضد العولمة، وإغلاق المجالات الجوية لكل دولة، وعدم استقبال رعايا الدول الأخرى، وإيقاف الرحلات السياحية خوفًا من انتقال العدوى، مما أثر على التعاون والشراكات بين الدول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورغم ذلك فهناك تعاون من نوع آخر يتمثل في ضرورة تبادل الخبرات في مجال مكافحة الأمراض والفيروسات، وما يستجد من وسائل للمكافحة والعلاج.
تأثيرات جائحة كورونا COVID-19 على تعليم وتعلم الكبار في العالم 
       إن تأثير جائحة كورونا على “تعليم وتعلم الكبار” يكون أكثر تدميرًا في البلدان التي تنخفض فيها نتائج التعلم، وترتفع فيها معدلات الأمية والتسرب من التعليم، وتضعف فيها القدرة على الصمود في وجه الصدمات، وبينما يبدو أن إغلاق المؤسسات التعليمية يمثل حلاً منطقيًا لفرض التباعد الاجتماعي داخل المجتمعات المحلية، فإن إغلاقها لمدة طويلة سيكون له تأثير سلبي غير متناسب على الطلاب الأكثر تضررًا، فهؤلاء الدارسين لديهم فرص أقل للتعلم في المنزل، وقد يمثل الوقت الذي يقضونه خارج المؤسسات التعليمية أعباءً اقتصادية على كاهلهم وكاهل أسرهم. كما يمكن للمكاسب التي تحققت – بشق الأنفس- في توسيع نطاق الحصول على تعليم الكبار أن تتوقف، بل وتنتهي مع تمديد إغلاق مؤسسات تعليم الكبار، وتبقى إمكانية الحصول على خيارات بديلة – مثل التعلم عن بعد – بعيدة المنال لمن لا تتوفر لديهم وسائل الاتصال، والإنترنت؛ وقد يتسبب هذا الأمر في المزيد من الخسائر في رأس المال البشري، وتقلص الفرص الاقتصادية للدولة جراء توقف الأنشطة بها.
أدوار مؤسسات تعليم وتعلم الكبار في أوقات الأزمات والكوارث:
     تتعدد أدوار وأهداف تعليم وتعلم الكبار في أوقات الأزمات والكوارث، من أهمها ما يلي:
1. تنمية مهارات البقاء: تأتي تنمية المهارات الحياتية لدى الكبار اللازمة لحمياتهم والبقاء على حياتهم، في مقدمة أولويات تعليم الكبار في حالات الطوارئ، مثل: المهارات اللازمة للتعامل مع الأخطار والتهديدات مثل: الوقاية من عدم الإصابة بالأمراض والأوبئة، وزيادة الوعي بالأساليب الصحية في التعافي .. وغيرها.
2. تنمية مهارات التكيف والاندماج: وذلك من خلال تخفيف الأثر النفسي والاجتماعي الناتج عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتفشي الأوبئة والأمراض، عبر مساعدة الكبار على استعادة الثقة بالنفس، والقدرة على التأقلم والتعايش والاندماج والتكيف مع الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار الإجراءات الاحترازية اللازمة للوقاية من مخاطرها.
3. تنمية مهارات إدارة الأزمات: وذلك من خلال تنمية مهارات الكبار في حل المشكلات، ومهارات مواجهة الفقدان والخسارة في سياقات الأزمات والكوارث، وأساليب مواجهة الأزمة، وتفادي الإصابة بالفيروسات والأوبئة .. الخ، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق إدخال محتوى معين مثل: “أساليب الوقاية، ونشر الوعي، وإتاحة الفرصة للتفاعل الإيجابي مع الأزمات .. الخ”.
4. تنمية المهارات الحياتية: فالمهارات الحياتية ذات أهمية قصوى في حالات الطوارئ والأزمات، فهذه المهارات تساعد المتضررين من الأزمات على مواصلة النمو، وإحداث التغير المطلوب في ضوء المستجدات.
5. إكساب الكبار المهارات الأكاديمية: إن الأزمات غالبًا ما تؤخر الدارسين من الناحية الأكاديمية، إما لغياب نظم التعليم الموجهة لهم، أو لأن التعليم ينقطع من حين لآخر، ويعتبر اكتساب الكبار لمهارات القراءة والكتابة والحساب أمرًا حيويًا لاستقلالية الشخص الكبير وكفايته الذاتية؛ فضلاً عن أهمية هذه البرامج في تقديم آليات الدعم النفسي الاجتماعي للكبار، حيث توفر إحساسًا بالحالة السوية وفرصًا للإنجاز.